يصفه طيب الذكر الراحل «علاء الديب» بالأديب الصادق، فالصدق هو النبرة الأولى التى تصافحك فى سطوره، ألف رحمة ونور على الأستاذ علاء ترك لنا ما نصف به القائم بيننا صامتًا الروائى الكبير «بهاء طاهر»، وفى مولده تقولها بكل الحب، كل ميلاد وسيادتك طيب وسعيد.
كل سنة ونحن ننتظر طلتك، التى غابت عنا ونحن لها مشتاقون لحكمة السنين تدب بقدمين على رصيف شارع 26 يوليو فى خطوات تعبر الزمن إلى زمن كان الإخلاص عنوانًا، والحب صافيًا، والمواهب تتدثر ببعضها البعض حتى لا تدهمها رياح الهبوب تلفحها بخماسينه الرهيبة.
فى خلوتك ومن اصطفيت من الأحباء نقرؤك السلام، نتذكر صاحب البهاء الطاهر، وأستعيد بعضًا من صور حضوره فى «دار الهلال» التى كانت مؤلًا لإبدعاته، لم أرَ فى فترة تعليمى على شيخى ومعلمى عميد دار الهلال الأستاذ مكرم محمد أحمد، لم أره باشا هاشا مبتسما إلا فى حضور الأستاذ بهاء، علمنى الأستاذ مكرم معنى الاحتفاء بالمواهب الاستثنائية، مثل هذه المواهب كنوز بشرية من يصحبها يعرف معنى السعادة، جد أنا سعيد أن تعرفت إليه، وجلست إليه، وسعيت للحوار معه وكان كريما كرم المبدعين.
يغيب عن العين، ولكن حضوره طاغ بسطوره، وأتمنى حضوره فعاليات معرض الكتاب المقبل، لو حضر الأستاذ بهاء لكان لحضوره مذاق، إذا غاب الحكيم لا يعوض غيابه حضور الخطباء، أتمناه حاضرًا بحكمته، عاشق صبابة ولايزال، يعيش حاضر وطنه متبتلًا، متنسمًا لحظات الألق والفخار.
وبهاء من البهاء، وهو بين المثقفين البهاء، أخيرًا قل كلامه، وندر حضوره، ولم تعد الشاشات تكتحل بظهوره، أعرف عنه عزوفًا، ورغبة حميمة فى الاعتزال، اعتزلنا ونحن المحبون، وهن العظم منه واشتعل الرأس شيبا، وانتحى جانبا متعجبا من الحال والأحوال، أحوال العباد.
فى عزلته عنا، فى قلايته، يقف شامخا بعوده الفارع مستندا على عصاه، يحتمى بـ«بييريه» من بلل السماء، يكسبه سمتا أفرنكيا وهو المصرى القح الذى لم تغير المنافى حبه للبلاد الطيبة، وللنخيل باسقات، والنهر يجرى إلى مستقر، عاش حبا فى المنفى، لا يعرف العشق إلا من يكابده، وهو عاشق للوطن ولا يزال.
لماذا الاحتفاء بمولد الأستاذ بهاء، لأنه المتجرد فى أحكامه، المتحقق فى إبداعه، المتعفف عن الموائد، المقيم فى قلب الوطن، المتوحد مع الحلم، حلم الوطن، حلم الناس، حلم البسطاء، الحالم بالحرية فى تجليها، يجليها فى أيقونات إبداعية إنسانية عابرة للحدود، إبداعه بلا حدود، وهل للإنسانية حدود، إبداع بهاء نموذج ومثال.
يخطو الأستاذ بهاء من فوق عتبة الثمانين بعصاه يتوكأ عليها، قد تصادفه متمهلًا فى طريقه محاذيًا الرصيف إلى جمع من الأصدقاء، سويعات يقضيها منصتًا لكثير الكلام معقبًا بقليل الكلام، يمتلئ حكيا يعود إدراجه، يلتحف بصمت الحكيم، يقلب بصره بين الأسماء.
وسؤال خليق بالافتكار، ماذا يكتب الأستاذ بهاء الآن على هوامش الحياة، ماذا يكتب عنا، ماذا يكتب للأحفاد، ياترى لايزال قادرًا على الإبداع، متى ينشر العم بهاء «كناسة الدكان»، خلاصات الزمان والمكان، يقينًا سيكون حدثًا فريدًا إذا نشر الأستاذ رؤيته لهذه الأيام الصعاب، لو دون سنينيه فى «مذكرات أديب عاش فى المنفى» وهو فى قلب الوطن لكان حدثا فريدا بهيا.
ميلاد الأستاذ بهاء خليق بالاحتفاء، الأدبى والإنسانى، أخشى أننا ننسى فى عجلة أمرنا الحكماء، نخلف الحكمة وراء ظهورنا ونحن نهرول نحو سراب يحسبه الظمان ماء، الحكماء هم زاد وزواد هذا الوطن، وطن بلا حكماء فاقد العقل والمنطق، قد ضل من كانت العميان تهديه.